هذا. فإن لم تكن التفرقة بين الخير والشر بالتفريق الشرعي النبويّ المحمدي القرآني، وإلّا فلا بد من قانون آخر يُفرِّق، إما سياسة بعض الملوك، أو ذوقُ بعض الشيوخ، أو رأي بعض الفقهاء، أو أغراض ذوي الأغراض، بحسب تنوّعها واختلافها، ولزوم مجرّد ظنّه وهواه.
فلهذا تجد هؤلاء أتباع كلِّ ناعق، يميلون مع كلِّ صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن. وهم يُفرِّقون بين ما يُفْعَل وبين ما لا يُفْعَل، وما يُؤمَر به وما لا يُؤمَر به، وما ينبغي فعله، وما ينبغي تركه= بهذه الوجوه وأمثالها.
وربما أضافوا ذلك إلى الله من جهة الحقيقة الكونية، وشمول الربوبية. ومعلوم أن جميع الأشياء مضافة إلى الله من هذه الجهة، فلا فرق بين ما يأمرون به وينهون عنه حينئذٍ.
وهذه حال المشركين الذين أخبر الله عنهم في كتابه، أنهم يأمرون وينهون بغير كتابٍ نزل من الله، وأنهم يَحتجُّون في ذلك بقَدَر الله، فقال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].