وهذا الحال يُحمَد منه ما كان من النوع الأول وهو حبّ الله دون ما سواه، والفناء عن محبة غيره ورجاؤه، وخوفه والتعلّق به، حتى يبقى دين العبد باطنًا وظاهرًا لله عز وجل من الأقوال: وقد يكون سببه نقص العلم؛ فإنْ كان الأول كان صاحبُه أكملَ وأصحَّ إيمانًا وأعلى منزلةً، ولم يكن عليه ذمٌّ، فإنَّ القلب إذا انصرف إلى شيء انصرف عما سواه، بحسب قوة انجذابه إلى هذا وإعراضه عن هذا.
وأما الثاني: فمثل مَن يشهد توحيد الربوبية، فيرى الله خالقَ كلِّ شيء ومليكه، ليس في الوجود إلا ما يشاء كونه. فيشهد ما اشترك فيه المخلوقات، مِنْ خَلْق الله إياها، ومشيئته لها، وقدرته عليها، وشمول القيوميّة والربوبيّة عليها. ولا يشهد ما افترقت فيه، مِنْ محبة الله لهذا وبغضه لهذا، وأمره بهذا ونهيه عن هذا، وموالاته لهذا ومعاداته لهذا، وهو توحيد الإلهية الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، فلا يشهد التفرقة في الجمع، ولا الكثرة في الوحدة.
وهذا الفناء قد يكون مع الصَّحْو وحضور العقل، وقد يكون مع السُّكْر، فإن كان مع الفناء والسُّكْر كان ناقصًا من وجهين، لكن قد يكون أَعْذَر ممن قام فيه مع الصحو.
وقد يَظُن مع ذلك أنه في حال الجمع والفناء في التوحيد، الذي