/وإن قال: إن أهل الأرض إذا احتاجوا إلى شئ دَعَا اللهَ فيُعطِيه بدعائه، كان هذا من نمط الذي قبله، فإنه قد عُلِم أن الله يُجِيب دعوةَ المضطر إذا دعاه وإن كان كافرًا، فإذا كان المشركون يدعون الله بلا واسطة فيُجيب دعاءَهم، فالمسلمون الذين هم عبادُه أولى. وقد يَدعو اللهَ بدعاَءٍ لم يعلم به أحد من البشر.
فإن قيل: ذلك الغوثُ يطلع على أسرار قلوب العباد. كان هذا القول أظهرَ في الكفر والفساد، فسَيِّدُ ولدِ آدم يُظهِرُه على شئ ويُجيب عليه أشياءَ. وقد قال له: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (?).
وقال: (قُل َلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) (?). وقد رُمِيَتْ أم المؤمنين بالإفك وأُخفِيَ عنه أمرُها مدَّةً، لِما كان في ذلك له من المحنة، تعظيمًا لأجرِه ورفعًا لدرجته.
وكذلك لما جاء قوم زكَوْا بني أبَيْرق الذين كانوا قد سرقوا طعامَ جارهم ودِرْعَه، ظَن صدْقَ المزكِّين ودفع عن المتَهمِين، حتى أنزل الله تَعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) (?) الآيات.