الصحراء، حتى نزل الغيث. فإذا كانت الشدة لم تزلْ إلاّ بعد اجتهادهم/في الدعاء في هذه المواطن، فكيف يكون غيرهم لا يرفع بَصَرَه حتى تُدْفَع النوازلُ؟
ثم إن الأمة قد نزل بها من الشدائد ما لا يحصيه إلاّ الله، واتصل بعضُها مدَّةً، فأين كان هذا الغوث؟ وحدَّثوني عن الشيخ عبد الواحد بن القصَّار- وكان من الشيوخ العارفين- أنه في اليوم الذي أُخِذَتْ فيه بغداد، كُشِفَ له عن ذلك والسيفُ يعمل في أهلها، فجعل يقول: أين القطب، أين الغوث؟ هذا السيف يعمل في أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأيضًا فكل مسلم يعلم من نفسه أن هذه الشدائد العامة لم يتركها هو وأصحابه لشخصٍ معين، بل دعوا الله سبحانه كما يدعونه عند الاستسقاء، وكما يدعونه عند الاستنصار على الأعداء، لا أحد يرفع أمره إلى غير الله، الفهم إلاّ ما يقوله بعض الناس لبعضٍ كما جرت به العادة، فمَنِ الأدنى الذي يرفع هذه الأمور إلى الأعلى؟
وأيضًا فقد أخبر الله عن المشركين أنهم يدعونه إذا مسَّهم الضرُّ مخلصين له الدين, فيُجيبهم، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)) (?). وقال تعانى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ