فصل
قاعدة: بعث الله محمدًا بالهدى ودين الحق ليُظهِره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، إلى جميعِ الخلق: أهل العلم والعبادة، وأهل الولاية والإمارة من الخاصة، وأكمَلَ له ولأمته الدينَ، وأتمَّ عليهم النعمةَ، ورضي لهم الإسلامَ دينًا. فالهدى يدخل فيه العلم النافع، ودين الحق يدخل فيه العمل الصالح، فعاش السلف في ذلك الهدى ودين الحق. ثم ظهرت البدع والفجور، فصار من الأمة من استمسك بالهدى ودين الحق، ومنهم من عَدلَ عن بعض ذلك، فاستمتعوا بخَلاقِهم كما استمتع الذي من قبلهم بخَلاقهم، وخاضوا كالذي خاضوا.
فالمنحرف إما المبتدع في دينه، وإما الفاجر في دنياه، كما قال الحسن البصري وسفيان الثوري وجماعات من السلف: إن من سَلِم من فتنة البدعة وفتنة الدنيا فقد سلم. وإن كانت البدع أحبَّ إلى إبليس من المعصية. ففتنة البدعة في أهل العلم والدين، وفتنة الدنيا في ذوي السلطان والمال. ولهذا قال بعض السلف: صنفانِ إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء. وقد قال أبو محمد الرملي عن أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: بالماضينَ ما كان أشبهَه، وعن الدنيا ما كان أصبرَه، أتتْه البدعةُ فنفاها، والدينا فأباها.