التقليد، فالتقليد المفضل لمن يثق بعلمِه ودينه أقوى من التقليد العام المتضمن لفضلِ شخصٍ مطلقًا، مع أن هذا العالم ينفع إذا لم يكن أخصَّ منه. فمن علم أنه أعلمُ وأدْيَنُ كانتِ الثقةُ بأقواله أقوى، إذا لم يعلم رجحان أحد القولين. وتقليدُ الأعلم والأدين إما واجبٌ وإما مستحبٌّ.

وجماعُ هذا الأصل أن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فمن كان من أهل الإيمان واجتهد في طاعة الله ورسوله علمًا وعملًا فلا ملامَ عليه، بل يغفر اللهُ له خطأه، ويُثيبه على صوابه.

وقد ظهر بما ذكرناه أن قول القائل: «لا بدَّ لكل أحدٍ من التقليد لأحد هذه [المذاهب] الأربعة» هو قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، لكن الجمهور على خلافه، فإن هذا لا يجب على كل أحد. ومن قال: «أنا متقيدٌ بالكتاب والسنة» لم يجز لأحدٍ أن يقول له: أنت مارِقٌ، ومن قال له ذلك أُدِّبَ على ذلك؛ فإن المروقَ هو الخروج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج: «يَمرُقون من الإسلام كما يَمرُقُ السهمُ من الرميَّة». وهؤلاء المارقون مَرَقُوا من السنة وخالفوا الجماعة، فمن تقيَّد بالكتاب والسنة كان متبعًا لا مبتدعًا، ومطيعًا لا عاصيًا.

ثم الكتاب والسنة يُوجِب عليه طاعةَ الله ورسولِه في كل وقتٍ وحينٍ، ومن أطاع الله ورسولَه دائمًا بحسب استطاعته كان من أولياء الله المتقين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015