مثال ذلك شفعة الجوار، فإن للعلماء فيها قولين مشهورين، فمن اعتقد أحد القولين فقد قال بقول طائفة من علماء المسلمين، وليس لأحدٍ ثبوتُ الشفعة إذا كان هو الطالب، وانتفاؤها إذا [كان] هو المطلوب، كما يفعله الظالمون أهلُ الأهواء، يتبعون في المسألة الواحدة هواهم، فيوافقون هذا القول تارةً وهذا أخرى متابعةً للهوى لا مراعاة للتقوى.

وقد ذمَّ الله من يتبع الحق إذا كان له، ولا يتبعه إذا كان عليه، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} إلى قوله: {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:48 - 52].

وإذا كان جماهير العلماء لا يُوجبون على أحدٍ أن يلتزم قولَ شخصٍ بعينه غيرِ الرسول في كل شيء، إذْ في ذلك تنزيلُ ذلك الشخص منزلة الرسول، وليس لأحدٍ أن يُنزِل أحدًا منزلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد قال الصِّدِّيق الذي هو أفضل الخلق بعده: «أطيعوني ما أطعتُ الله، فإذا عصيتُ الله فلا طاعة لي عليكم». فالرجل إذا اتبع قولَ بعض الأئمة في مسألة، وقول آخر في مسألة أخرى، إمَّا لظهور دليل ذلك له، وإما لترجيح بعض العلماء الذين يَسُوغ له تقليدُهم قولَ هذا في هذه وقولَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015