وأما قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ}، فليس من التكرار، بل تحته معنى دقيق، والمعنى فيه: وإنْ كانوا من قبل أنْ ينزل عليهم الودق من قبل هذا النزول لمبلسين، فهاهنا قبليتان: قبلية لنزوله مطلقًا، وقبلية لذلك النزول المعين أنْ لا يكون متقدمًا على ذلك الوقت، فيئسوا قبل نزوله يأسين: يأسًا لعدمه، ويأسًا لتأخره عن وقته، فقبل الأولى ظرف لليأس، وقبل الثانية ظرف للمجيء والإنزال.
ففي هذه الآية ظرفان معمولان وفعلان مختلفان عاملان فيهما، وهما الإنزال والإبلاس، فأحد الظرفين متعلق بالإبلاس، والثاني متعلق بالنزول.
وتمثيل هذا أنْ تقول إذا كنت مؤملًا للعطاء من شخص في وقتٍ، فتأخر عن ذلك الوقت، ثم أتاك به: قد كنتُ يائسًا من قبل أنْ تجيئني بهذا من قبل، أي: أيستُ من قبل مجيئك بهذا قبل هذا الوقت.
فقبل الأولى ظرف لليأس، وقبل الثانية ظرف للوقت، كما أنك لو وضعت موضع قبل الثانية غيرها وجدتها غير متكرر، فإذا قلت: قد كنت آيسًا قبل أن تأتيني بهذا أمس، أكان تكرارًا؟ فمن قبله كان كأمس. ولو قلت: وإنْ كانوا من قبل أنْ ينزل عليهم قبل وقت نزوله لمبلسين، لما كان تكرارًا؛ لاختلاف الآية. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما قوله سبحانه وتعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة:34 - 35]، فهذا ليس من باب التكرار، بل هو وعيدٌ ودعاءٌ، يعني: قرب