الله ليس لأحدٍ فيه حيلةٌ، ولا يتظلم مثل هذا من البائع، وبيع ما ليس عنده. والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره، وأكثر الناس لو علموا لم يشتروا منه، بل يذهبون هم فيشترون من حيث اشترى هو، وإن قُدِّر أن منهم من يعلم ويشتري كما لو كانت عنده، لكونه يشتريها من مكانٍ بعيد، أو يشتري جملةً، ونحو ذلك مما قد يتعسَّر على المشتري منه، وإنما يفعل ذلك من ظنَّ أن هذا الربح هو الربح لو كانت عنده. فلو قُدِّر أن السلعة رخيصة أرخص من العادة، وأن هذا قد أربحه ما لا يصلح في مثلها ندمٌ، فهو يشتمل كثيرًا على ندم هذا وهذا، كما يشتمل على مثل ذلك سائرُ أنواع بيع الغرر.
وليس هذه المخاطرة مخاطرة التجارة، بل مخاطرة المستعجل بالبيع قبل القدرة على التسليم، كبيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، وبيع حبل الحبلة، وبيع الملاقيح، وبيع المضامين، وبيع البعد الآبق والبعير الشارد، ونحو ذلك. فإذا اشترى التاجر السلعةَ وصارتْ عنده ملكًا وقبضًا، فحينئذٍ دخلَ في خطر التجارة، وباعَ بيعَ التجارة كما أحلَّها الله تعالى بقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا شرطانِ في بيعٍ» هو كنية عن بيعتين في بيعة،