رحمته بعباده، يأمرهم قبل المعصية بالطاعة وبعد المعصية بالاستغفار، وهو رحيم بهم في كلا الأمرين، وأمرُه لهم بالطاعة أولًا من رحمته، وأمرهم ثانيًا بالاستغفار من رحمته، فهو سبحانه رحيمٌ بالمؤمنين الذين أطاعوه أولًا، والذين استغفروه ثانيًا. فإذا كان رحيمًا بمَن يطيعه، والرحمةُ توجب إيصالَ ما ينفعهم إليهم ودفْعَ ما يضرُّهم عنهم، كيف يكون المأمور به مشتملًا على ضررِهم دون منفعتهم؟
وقوله: {جَاءُوكَ} المجيء إليه في حضوره معلومٌ كالدعاء إليه، وأما في مغيبه ومماتِه فالمجيء إليه كالدعاء إليه والرد إليه، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} [النساء:61]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]، وهو الردُّ والمجيء إلى ما بُعِث به من الكتاب والحكمة. وكذلك المجيء إليه لمن ظلمَ نفسَه هو الرجوع إلى ما أمَره به، فإذا رجع إلى ما أمره به فإنّ الجائي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ممن ظلم نفسَه يجيء إليه داخلًا في طاعته راجعًا عن معصيته، كذلك في مغيبِه ومماتِه. واستغفارُ الله موجودٌ في كل مكان وزمان، وأما استغفار الرسول فإنه أيضًا يتناول الناسَ في مغيبِه وبعدَ مماتِه، فإنه أُمِر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وهو مطيعٌ لله فيما أمَره به. والتائب داخلٌ في الإيمان، إذ المعصيةُ تَنقُص الإيمانَ، والتوبة من المعصية تزيد في الإيمان بقدرها، فيكون له من استغفار النبي صلى الله عليه وسلم بقدر ذلك.
فأما مجيءُ الإنسانِ إلى عند قبرِه، وقولُه: استغفِرْ لي أو ادعُ لي، أو