فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. وقال فيما أمر به من الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. فإذا كان لا يريد فيما أمرنا به ما يعسر علينا، فكيف يريد ما يكون ضررًا وفسادًا لنا بما أمرنا به إذا أطعناه فيه؟

ثم إنه قد أخبر أن الإيمان والطاعة خيرٌ من الكفر والمعصية للعبد في الدنيا والآخرة، وإن كان لجهله يظنُّ أن ذلك خير له في الدنيا، كما يقوله هؤلاء الذين فيهم شعبة وَهَلٍ ونفاقٍ، الذين يقولون: إن المأمور به قد لا يكون فيه للعبد مصلحةٌ ولا منفعةٌ طولَ عمرِه، بل يكون ذلك في المنهيّ عنه، فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

وقال عن الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، الذين طلبوا ما في ذلك من نعيم الدنيا: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]. فأخبر أنهم يعلمون أن هذه الأمور لا تنفع بعد الموت، بل لا يكون لصاحبها نصيبٌ في الآخرة، وإنما طلبوا بها منفعةَ الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي، أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشة طيبة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015