العلل مجرد علاماتٍ ودلالاتٍ على الحُكْم، لا أنها أمورٌ تناسبُ الحُكْمَ وتُلائمه.
وهم يُجوِّزون مع هذا أن لا يكون للعبد ثوابٌ ومنفعةٌ في فعلِ المأمور به، لكن لما جاءت الشريعة بالوعد قالوا: هو موعود بالثواب الذي وُعِد به، وربما قالوا: إنه في الآخرة فقط، وأما الفعل المأمور به فقد لا يكون مصلحةً للعباد ولا منفعةً لهم بحالٍ، فلا يكون فيه تنعُّمٌ لهم ولا لذةٌ بحالٍ، بل قد تكون مضرَّةً لهم ومفسدة في حقهم، ليس فيه إلا ما يُؤلمهم.
ومعلومٌ أنه إذا اعتقد المرءُ أن طاعةَ الله ورسوله فيما أمر به قد لا تكون مصلحةً له ولا منفعةً، ولا فيها نعيم ولذة ولا راحة، بل تكون مفسدةً له ومضرَّةً عليه، ليس فيها إلا ألمه وعذابُه= كان هذا من أعظم الصوارفِ له عن فعلِ ما أمرَ الله به ورسولُه. ثم إن كان ضعيفَ الإيمان بالوعد والوعيد تركَ الدينَ كلَّه، وإن كان مؤمنًا بالوعيد صارتْ دواعيه متردِّدةً بين هذا العذاب وذلك العذاب، وإن كان مؤمنًا بوعد الآخرة فقط لم يَرْجُ أن يكون له في الدنيا مصلحةٌ ولامنفعةٌ، بل لا تكون المصلحة والمنفعة في الدنيا إلا لمن كفرَ وفسقَ وعصَى.
وهذا أيضًا وإن كان هو غايةَ حالِ هؤلاء فهو مما يَصرِف النفوسَ عن طاعةِ الله ورسولِه، ويبقى العبدُ المؤمن متردد الدَّواعي بين هذا وهذا، وهو لا يخلو من أمرين: