فتدبَّرْ هذا لتعلمَ أن الأعمال بخواتيمها، وأن ما ظاهره نعمةٌ وهو لذة عاجلة قد يكون سببًا للعذاب، وما ظاهره عذاب وهو ألمٌ عاجل قد يكون سببًا للنعيم، وما هو طاعة فيما يرى الناس قد يكون سببًا لهلاك العبد برجوعِه عن الطاعة إذا ابتُلي في ثمرة الطاعة، وما هو معصية فيما يرى الناس قد يكون سببًا لسعادته بتوبة العبد منه وتصبُّرِه على المصيبة التي هي عقوبة ذلك الذنب.
فالأمر والنهي يتعلق بالشيء الحاصل، فيُؤمر العبد بالطاعة مطلقًا، ويُنهى عن المعصية مطلقًا، ويؤمر بالشكر على كل ما يتنعَّم به. وأما القضاء والقدر -وهو عِلمُ الله وكتابُه وما طابقَ ذلك من مشيئته وخلقِه- فهو باعتبار الحقيقة الآجلة، فالأعمال بخواتيمها. والمنعَم عليهم في الحقيقة هم الذين يموتون على الإيمان.
وقد يكثر تنازعُ الناس في هذا الباب، فالمثبتةُ للقضاء والقدر من متكلمة أهل الإثبات وغيرِهم يُلاحِظونَ القدرَ من عِلم الله وكتابه ومشيئته وخلقِه، وقد يُعرِضون عمّا جاء به الأمر والنهي والوعد والوعيد، وعن الحكمة العامة وما في تفصيل ذلك من الحِكَم الخاصة. وأما من لم يلاحظ إلا الأمر والنهي والوعد والوعيد فقط من القدرية ومن ضاهاهم في حاله، فقد كفر بما وجبَ عليه الإيمان به من خلقِ اللهِ وكتابته ومشيئتِه، وتدبيره لعباده المؤمنين الذين سبقت لهم منه الحسنى بتدبيرٍ خاص، ومن قضائه على الكفار بما هو سبحانه فيه عَدْلٌ، كما في