وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال:72]. وفي حديث بريدة الذي في صحيح مسلم: «وإذا حاصرتَ أهلَ حِصْنٍ فادْعُهم إلى الإيمان، ثمَّ ادْعُهم إلى التحوُّل إلى دار المهاجرين، وإلا كانوا كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكمُ الله الذي يجري على أعراب المسلمين، وليس لهم في الفيء نصيبٌ».
وهذه الأمور لبسطِها موضعٌ آخر، والمقصود أن معنى الهجرة العامة هي هجر السيئات، وهجرها بعدَ الدخول فيها هو التوبة، فهذا المعنى يُلحَظُ في هذا اللفظ. ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلَمُهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمُهم سِنًّا» = جعلَ طائفةٌ من العلماء مما يدخل في تقدم الهجرةِ تقدُّمَ التوبة وتقدُّمَ الإسلام، فإذا كان الرجلان قد أسلم أحدهما قبل صاحبه، أو تاب من السيئات قبلَ صاحبِه، فهذا أقدمُ هجرةً وأركانًا في وطنَيْهما، فإن المقدَّم أسبقُهما إلى الطاعة باختياره، ثم أسبقُهما إلى الطاعة بفعل الله تعالى، وهو كِبَرُ السِّنِّ. والله أعلم.