وهذا قول القونوي والتلمساني وابن سبعين وغيرهم ممن لا يجعل له وجودًا متميزًا عن وجود مخلوقاته، بخلاف قول ابن العربي الذي يجعل له وجودًا متميزًا، ويقول: إن ذلك الوجود فاض على الممكنات. فهذا القول أمثل، ولهذا هو عند الاتحادية أبعد عن التحقيق. هذا إذا اقتصروا على عبادة الوجود المطلق، وأما إن عبدوا الوجود كلَّه المطلق والمعيَّن كما هو قول التلمساني والبلياني وابن سبعين فقد أشركوا به جميعَ الكائنات المطلق والمعين. وهذا القول الثالث أخسُّ أقوالهم، وهو عند غالبهم عين التحقيق.
ومن بدع ضلالهم وكفرهم أنهم يسمُّون هذا توحيدًا وحقيقةً، ويزعمون أن كبار العارفين إنما أشاروا في توحيدهم وتحقيقهم إلى ذلك، ومعلوم أن هذا جامع لكل شركٍ، فهو أعظم شركًا وأكفر كفرًا من كل شركٍ وكفرٍ.
ومنشأ التلبيس أن المُشرك بين شيئين لا بدَّ أن يُسوِّي بينهما في شيء يُشركهما فيه، فيتحدانِ فيه، كما قال الكفار: {إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97 - 98]. فمن أشرك بالله شمسًا أو قمرًا أو كوكبًا جعله شريك الله في العبادة والإلهية، فاتحدا في الألوهية والعبادة فهو موحِّدٌ للقدر المشترك بينهما عنده. ولذلك كل من قاس شيئًا بشيء وشبَّه شيئًا بشيء، فلا بدّ أن يتحد الفرع والأصل المشبَّه والمشبَّه به في معنًى يجمعهما، فهو يشرك فيه توحيد المشترك، ليس فيه