وكذلك هم متحركون بأرواحهم حركةً دائمة، فلا بدَّ لهم من إلهٍ صمدٍ هو إلههم الذي هو معبودهم ومنتهى حركاتهم وإراداتهم.
فثبت بذلك أنهم محتاجون إلى الاجتماع، وبعضهم محتاج إلى بعضٍ لجلب المنفعة ودفع المضرة، ومحتاجون إلى ما يطلبون منه الحوائج الخارجة عن قدرتهم، وهو ربهم، وإلى إلهٍ هو الغاية والنهاية التي لها يعبدون، ولها يصلون ويسجدون، وإليها يصمدون ويقصدون، وهو إلههم.
وذلك كله لا يقوم إلا برأسٍ يُعلِّمهم ويأمرهم، ويُقيمهم على سنة وقانون في أنواع الحاجات ومقاديرها، وأنواع المنافع ومقاديرها، فإن ذلك إن لم يُضبَط لهم وإلّا انتشر الأمرُ وفسدَتْ أحوالُهم. وهذا الأمر لما كان ضرورةً في جميع بني آدم أُلهِمُوه كما أُلهِمُوا الأكلَ والشربَ والنكاحَ. فلا بدَّ لكل طائفةٍ من سيِّدٍ مُطاعٍ ورئيسٍ وإمامٍ، وإن تنوعت أسماؤه ومراتبُه، إمّا مَلِك وإما أمير وإما شيخ وإما مُفتٍ وإما قاضٍ وإما مقدَّم وإما رئيس قرية، إلى غير ذلك من الأسماء. وكل طائفة فلا بدَّ لها من أن توالي أولياءها وتعادي أعداءها.
فمعلومٌ بالعلم اليقين أن السيد المطاع الذي بعثه الله وأنزل إليه من الهداية والعلم والكلام ما يَصلُح به الناسُ أحقُّ بأن يُتَّبع ويُطاع ويُوالَى وليُّه ويُعادى عدوُّه، وهم رُسُل الله المبعوثون إلينا لوجوه:
أحدها: أن هدايتهم وإرشادهم وأمرهم ونهيهم هو هداية الله