وهذا الذي قررناه في العلم والقول في الأحكام والأدلة يجيء مثلُه في القصد والعمل في المقاصد والوسائل، فمن غلبَ عليه في ذلك الوجودُ في المقاصد والأعمال كانت طريقته أنفعَ ممن غلبَ عليه العدمُ فيهما، فالوجود راجح على العدم في نفسه وفي علمه وذكره وقصدِه والسعي إليه.
وكذلك أيضًا في القدرة والسمع والبصر وسائر الصفات، لكن لا بدَّ من نفيٍ وعدمٍ يدفع عن الوجود ما يَضُرُّه ويُفسِده، وإلّا فَسَد. فهذا هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولهذا إذا ترك المؤمن شيئًا من المكروهات فلا بدَّ أن يكون تركُه لإرادة أمرٍ موجود، فيتركه لوجهِ الله وإرادةِ ثوابه، أو للخوف من العقاب الذي يضرُّه. ولهذا اختلف الناس في المطلوب بالنهي: هل هو نفسُ العدم أو الامتناع الذي هو أمر وجودي؟ والتحقيق أن كلاهما مطلوبٌ للناهي، لكن فائدة الوجود وجودية، وفائدة العدم عدمية.
وقد اتفق الفقهاء على تعليل النفي بالنفي كتعليل الإثبات بالإثبات وتعليل النفي بالإثبات، فإن الوجود قد يقتضي عدمَ أشياء. أما تعليل الوجودِ بالعدم ففيه خلاف، وأصحابنا جوَّزوه، لأن النفي يتضمن الوجود .... .... وقد يقال: إرادة العدم تقتضي وجودًا ..... والله أعلم.