فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122]. وفي خطبة أحمد بن جنبل: «يُحيُون بكتاب الله الموتى، ويُبَصِّرون بنورِ الله أهل العَمَى»، لأنه بالحياة يخرج عن الموت، وبالنور يخرج عن ظلمة الجهل، فيصير حيًّا عالمًا ناطقًا، وهو كمال الصفات في المخلوق، وكذلك قد قيل في الخالق. حتى النصارى فسَّروا الأب والابن وروح القدس بالموجود الحيِّ العالم. والغزالي ردَّ صفاتِ الله إلى الحيِّ العالم، وهو موافق في المعنى لقول الفلاسفة: عاقل ومعقول وعقل. لأن العلم يستتبع الكلام الخبري، ويستلزم الإرادة والكلام الطلبي، لأن كلَّ حيٍّ عالمٍ فله إرادةٌ وكلام، ويستلزم السمع والبصر.
لكن هذا ليس بجيد، لأنه يقال: فالحيُّ نفسه مستلزمٌ لجميع الصفات، وهو أصلها، ولهذا كان أعظم آيةٍ في القرآن: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وهو الاسم الأعظم، لأنه ما من حيٍّ إلا وهو شاعر مريد، فاستلزم جميع الصفات. فلو اكتُفِي في الصفات بالتلازم لاكتُفِي بالحيِّ. وهذا ينفع في الدلالة والوجود، لكن لا يصحُّ أن يُجعَل معنى العالم هو معنى المريد، فإن الملزوم ليس هو عين اللازم، وإلّا فالذات المقدسة مستلزمة لجميع الصفات.