وعلى هذا تكون اليهودُ أعظم قدرًا عند الله من محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الله كتب التوراة لموسى، وأنزلها مكتوبةً، فتلقَّى بنو إسرائيل ما في الألواح عن الله. فإن كان جبريلُ إنما أخذ القرآن عن اللوح، صار جبريلُ كبني إسرائيل، وصار محمدٌ كمن أخذ كلام الله عن بني إسرائيل! وإذا كان هذا باطلًا وكفرًا فما استلزم الباطَل فهو باطل (?).
وأيضًا، فتفريقُ الله بين «الإيحاء» و «التكليم» دليلٌ على أن الله كلَّم موسى بكلامٍ سمعه موسى، كما قال تعالى: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13].
ومن قال: «الكلام مجرَّد معنًى قائمٍ بالنفس» يقول: تكليمُ موسى إنما هو خلقٌ لطبيعةٍ فيه أدرك بها ذلك المعنى.
ثم إنهم يقولون: إن ذلك المعنى لا يتبعَّض، فقال لهم بعض أهل العلم: فموسى أدركَ جميعَ المعنى القائم بالذات أو بعضه؟ إن قلتم: الجميع، فيكون موسى قد أدرك جميع كلام الله، وعَلِمَ جميع ما تكلَّم الله به، وكلامُه متضمنٌ (?) لكلِّ خبرٍ أخبر الله به، فيكون موسى قد علم جميعَ ما أخبَر به الأولين والآخرين!
وهذا معلومُ الفساد بالضرورة، ولو لم يكن إلا ما أتاه الخضر، فإن موسى لم يعلم ذلك، بل قال له الخضر لما نقر العصفورُ في البحر نقرة: «ما نقص علمي وعلمُك من علم الله إلا كما نَقَصَ هذا العصفورُ من هذا