الإنسان يثيبه الله على عمله وعلى ما يتولَّد عن عمله إذا أقدَم على احتماله؛ فإن المجاهد قد أقدَم على الجهاد وهو يعلم أنه يؤذي في الله عزَّ وجل.
وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لخُلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك» (?)، والخُلُوفُ يتولَّد عن صومه بغير اختياره.
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيل الله -والله أعلمُ بمن يُكْلَمُ في سبيله- إلا جاء يوم القيامة وجرحُه يَثْعَبُ دمًا، اللون لونُ الدم، والريح ريحُ المسك» (?).
والدَّم الذي يخرجُ من جرح المريض ليس هكذا، ولا الخُلُوف الذي يحصل بجوع الاضطرار ليس هكذا.
ولهذا رتَّب الله الجزاء على الأذى في سبيله، فقال: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} الآية [آل عمران: 195]، فجعل كونَهم أوذوا في سبيله مقرونًا بكونهم هاجروا، وكذلك كونَهم أُخرِجوا، فالإخراج والأذى فِعلُ الكافرين بهم، فأثابهم الله على ذلك؛ أن ذلك حصل بسبب إيمانهم الذي كان باختيارهم.
فمن فعل فعلًا صالحًا باختياره، وأذوي عليه، واحتسَب ذلك الأذى، كان ذلك الأذى من عمله الصالح الذي يثابُ عليه، كالصائم إذا احتسَب جوعَه وعطشَه، والقائم بالليل إذا احتسَب تعبَه وسهرَه، فإن الأذى الذي