قال: "لا حَسَدَ إلاً في اثنين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلّمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق". فإن هذا وهذا مما يحبها الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسيجازى صاحبهما في الآخرة، فإذا أحب الرجل أن يكون له مثلُ ما لغيره من ذلك فهذا حسن، وهو من المنافسة التي رُغِّبَ فيها بقوله تعالى وتبارك: (وفىِ ذلك فليتنافس المتنافسون (26)) (?). وأما إذا تمنى زوالَ النعمة عنه فهذا مذموم مَعِيْبٌ، وإن أحب أن يكون له مثلُها من المال والرئاسة من غير زوال لذلك عنه فهذا من جنس حبّ المال والرئاسة ابتداءّ، فهو باطلٌ وعبثٌ ولعبٌ، إلاّ ما يُنتفع به في الآخرة، والحرصُ عليه يُفسِد الدينَ كما تقدم. وقال شداد بن أوس رضي الله عنه (?): يا بقايا العرب! إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الرياء والشهوة الخفية. قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال: حبُّ الرئاسة. وقال سفيان الثوري رحمه الله: رأيناهم يزهدون في الطعام والشراب واللباس، فإذا نُوزعَ أحدُهم الرئاسةَ نَاطَحَ نِطاحَ الكِباش.
فطُلاَّب الرئاسة عند الذين يريدون ما أحبَّه الله ورسولُه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى بالذمّ والنقص والعيب، من طلّاب المال عند طُلاَّب الرئاسة، حيث أرادوا مالا يدوم نفسُه ولا يبقى، بل يزول ويفنى، فطلبوا الباطلَ الذي يفنى، وتركوا الحق الذي يبقى. وقد قال بعضهم: لو كانت الدنيا ذهبًا يفنى، فكيف والدنيا خَزَفٌ يَفنى، والآخرة ذهبٌ يَبقَى!
ولهذا قال السحرة لما آمنوا وتبيَّن لهم الحق، وقال لهم فرعون