عَبَثاً وَأنَكم إلينا لا ترجعون) (?). فإن الدنيا وإن كان فيها نوع لذة ومنفعة حاضرة فتلك زائلة منقطعة، فهي باطلة، والفعل لمثل ذلك من باب العبث واللعب، والله تبارك وتعالى منزَّه عن ذلك، إنما خلق هذا الذي ينقص ويزول لما يبقى ويدوم، والذي يبقى ويدوم هو الحق، والذي يزول وينقص قد فَسَد وهلكَ. ولهذا قيل في قوله تعالى (كل شيءٍ هالك إلا وجهه) (?): كلُّ عملٍ باطل إلاّ ما أريد به وجهُه. وفي الدعاء المأثور: "أشهد أن كل معبود من لدن عرشك إلى قرار أرضك باطلٌ إلاّ وجهك الكريم". وقد قال تعالى: (كل مَن عليها فَان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام (27)) (?). فهو سبحانه وتعالى الباقي الدائم، وما كان به وله فهو الباقي الدائم، وما لم يكن له فهو باطل فاسدٌ هالكٌ، لا يبقى ولا يدوم.
قالوا لمالك بن أنس رحمه الله تعالى: إن فلانًا عَملَ موطَّأ مثلَ موطَّأِك، فقال: وطَّأوا ووطَّأنا، وما كان لله عزَّ وجلَّ فهوَ يبقى (?).
ولما استقر في الفطر أن كل عمل لا يبقى نفعُه فهو عبث ولعبٌ وباطلٌ، صار كلٌّ من اَلناس يُسمِّي مالا يبقى نفعُه بالنسبة إلى ما يبقى عبثًا وباطِلاً ولعبًا وباطلاً، فالصبيان إذا لعبوا سمَّى الرجالُ العقلاءُ فعلَهم لعبًا وباطلاً وعبثًا، وإن كان للصبيان فيه لذة ومنفعة حاضرة، لكنها لا تدوم وتبقى، بل إذا فَرَغوا من اللعب احتاجوا إلى أمورٍ لا