ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن هذا الرجل لا يُحِبُّ الباطل" (?)، وهو مالا يَنفعُ النفع الباقي، وهو النافع في الآخرة، فكلُّ مالا ينفع في الآخرة فهو باطل، وإن كان لذةً حاضرةً، فإنها تزول وتُعَدُّ بلا نفعٍ يَبقى، فهي باطل بهذا الاعتبار.
وقال الله تعالى: (ذلك بأن الله هو وأن ما يدعون مِن دُونِهِ هُوَ الباطِلُ) (?)، فهذا باطل من الجهتين: من جهة أن استحقاق الإلهية معدوم، فهو لا ينفع ولا يضر؛ ومن جهة أن عبادته لا تنفع وإن كانت موجودة (?) في الحياة الدنيا، فيومَ القيامة يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا. ومن هذا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أصدق كلمة قالها شاعر لبيد:
ألا كلّ شيء ماخلا الله باطل (?)
قال الله تعالى: (وقدمنا إلى ما علموا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) (?)، وقال تعالى: (مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء (24)) إلى قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيَاةِ الدُّنيا وفي الأخرةِ) (?). والثابت ضدّ الزائل، فالباطل الزائل الذي لا ينفع في الآخرة هو الذي شرع فيه الزهد، فالزهد مشروع في كل مالا ينفع في الآخرة، والورع مشروع في كلِّ ما قد يَضُرّ في