وقد ظنّ طائفة من النفاة - كبشر المريسي وغيره - أن مرادَهم بذلك أن لا تقوم به الأفعال الاختيارية ولا يتحرك ونحو ذلك، ورَدَّ عليهم عثمان بن سعيد الدارمي وغيره، وبيَّنوا خطأه فيما فهمه من ذلك عمن نقل ذلك عنه من السلف، وهو إنما نقله عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهذا الإسناد وحدَه مما لا يعتمِد عليه أهل الحديث، فذكروا ضعفَه (?)، ثمَّ ذكروا عدمَ دلالتِه على ما طلَبَه. ولكن قد رُوِيَ هذا بغير هذا الإسناد، فبينوا خطأ من فهم ذلك المعنى، وأن المراد بقولهم "لا يزول": أنه دائمٌ باقٍ لا يَنْقُص عن كمالِه فضلاً عن أن يَفْنَى أو يَعْدَم، كقوله تعالى: (أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال (44) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45) وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)) (?). وفيه قراءتان (?): أكثر القراء يقرءون "لِتزوْلَ"، فيدلُّ على النفي، أي: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال.
وقرأ بعضُهم "لَتزوْلُ" بالرفع على الإثبات، أي: إن كان مكرُهم تزول، هذا تقدير البصريين. َ والكوفيُّونَ يقدرون: ما كان مكرهم ألاَّ تزول. وكلا القراءتين لهما معنى صحيح، كما هو مبسوط في غير هذا الموضع (?).
وقوله تعالى "تزول منه الجبال" مثل قوله تعالى: (إِنَّ الله يُمْسِك