وأما الهازِلُ فذاك لزمه عند من يقول به، لأنه اتخذ آيات الله هزوًا، كما يلزم الكفر لمن تكلم به مستهزئًا، لأنه اتخذ آيات الله هزوًا، لئلّا يستهزئ أحدٌ بآيات الله. وهذا إذا قيل عوقب به كانت العقوبة تدفع أن يستهزئ أحدٌ بآيات الله، كما أن تكفير المسلم بآيات الله هزوًا يمنع أن يستهزئ أحدٌ بآيات الله، فكان في إيقاع الطلاق به زوال هذه المفسدة، وكان ما حصل له من الضرر ضررًا بمن يستحق هذا الضرر، بخلاف المكرَه وبخلاف السكران، فإن ذنبه هو الشرب، ليس ذنبه إيقاع الطلاق، والشارع لا يعاقبه على الشرب بالتزام ما يمكن أن يتكلم به، ولو كان ذلك لعاقبَه بالقتل، لأن السكران قد يتكلم بالكفر، كما قد يتكلم بالطلاق.
وعلى هذا فإذا قالوا: الطلاق لغير حاجةٍ محرَّم أو مكروه، قالوا: إن الطلاق الشرعي مباح مأذون فيه. وهذا معنى قوله: "أبغض الحلال إلى الله الطلاقُ" (?)، أي أبغض ما أُبيحَ للحاجة وهو محرَّم بَغِيض إلى الله بدونها: الطلاقُ، كما تقول: أبيحت المحرَّمات للمضطر، أي أبيح له عند الضرورة ما كان محرَّمًا بدونها، ليس المراد به أن الشيء في حالٍ واحدةٍ يكون حلالا حرامًا، كذلك الشيء في حالٍ واحدةٍ لا يكون بغيضًا إلى الله مأذونًا فيه من جهته، فإن هذا تناقض.
فصل
ومما يُبين هذا أن الله إذا كان يُحب شيئًا فإنه يأمر به أمرَ إيجاب