وقال: ما أردتُ إلاّ واحدة، وأنه استحلفَه ما أردت إلاّ واحدةً.
ومنطوقُ هذا لا حجةَ فيه، لأنه إذا لم يُرِدْ إلاّ واحدةً لم يَقَعْ به إلاّ واحدة. وفيه حجة على مسألة النزاع المشهورة بين الفقهاء. وأما مفهومه فمجملٌ، لو قال: أردتُ ثلاثًا حتى كان يغضب عليه ويُؤدّبه لفعلِه المحرَّم الذي نهى عنه، كما غضب على غيرِه، ويؤخر إذنَه له في الرجعة تأديبًا له، أو كان يُوقِعها به. وليس في الحديث بيان لأحدهما، والطريق الآخر الذي هو أصح فإنه أوقعَ ثلاثًا، ولا يجوز أن يثبت تحريمٌ عامٌّ يَلزَمُ الأمَّةَ بمسكوتٍ مجملٍ أو بحديثٍ مضعَّفٍ، قد عارضَه ما هو أصحُّ منه لا بيانَ فيه للوقوع، وإنما فيه الفرق بين أن يُرِيدَ الواحدةَ أو أكثر، والفرقُ ثابتٌ بدون إيقاع الثلاث.
وقد روى مسلم في صحيحه (?) عن عائشة قالت: طلَّق رجلٌ امرأتَه ثلاثًا قبلَ أن يدخلَ بها، فأراد زوجُها الأول أن يتزوَّجها، فسُئِل رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فقال: "لا، حتَّى يذوق الآخر من عُسَيْلتها ما ذاق الأول". وهذه هي قصة تميمة التي تزوجها رفاعة، وكان يدَّعي أنه وطئها.
وتطليقُها ثلاثًا قد يكون مفرقةً، وقد يكون طلَّقها ثلاثًا بكلمة واحدةٍ، ولكن بانت بواحدةٍ إذا لم يكن دخل بها. فليس فيه دلالة على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل ذلك ثلاثا.
...