قال أبو داود (?): وهذا أصحُّ من حديث ابن جريج أن ركانةَ طلَّق امرأتَه ثلاثًا، لأنهم أهلُ بيته، وهم أعلمُ به. وحديثُ ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس.
قلتُ: فجعلَ أبو داود - رضي الله عنه - القصتينِ واحدةً، وهو كما قال: ويَرِدُ عليه أنه في حديث ابن جريج أنَّ ركانةَ طلَّق امرأتَه ثلاثًا، وليس هذا في حديث ابن جريج الذي رواهُ هو، وإنما فيه أن عبدَ يزيدَ - أبَا ركانةَ وإخوتِه - طَلَّقَ أمَّ ركانةَ، ونكحَ امرأةً من مُزَينةَ، وأنها اشتكت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكرتْ أنه عنّين، وأنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيَّن كَذِبَها بأن أولادَها يُشبِهونَه، فدَلَّ على أنهم منه، وأنه ليس بعنّين. ثمَّ إنه أمر عبدَ يزيدَ أبا رُكانةَ أن يُطلِّق هذه المزنية المشتكية، وإنه أمرَه أن يُراجعَ أمَّ رُكانةَ التي طلَّقها ثلاثًا.
هذا هو الذي في حديث ابن جريج، ليس في حديث ابن جريج أن ركانةَ طلَّق امرأتَه ثلاثًا. لكن قد يُقالُ: إن القصة واحدة، وإن هذا الراوي غَلِطَ في بعض ألفاظ القصة في المطلِّق والمطلَّقة، كما يقول من يقول: إنه غَلِط في عدد الطلاق. وقد يقال: من قال هذا لم يكن له أن يقول في حديث ابن جريج أن ركانةَ طلَّق ثلاثًا، بل هذا يُبيِّن أن قائلَ ذلك لم يتأمَّل الحديثَ حقَّ التأمل، فإذا تأمَّلَهما عَلِأن المنقولَ في هذا الحديث قصة غير المنقول في الآخر، فلا المطلقُ المطلِّقَ، ولا المطلَّقةُ المطلَّقة، فإن المطلقةَ في هذا سُهَيْمةُ امرأةُ رُكانةَ، وهناك أمُّه؛ ولا لفظُ التطليق لفظَ التطليق. وفي هذا من تزويج عبد يزيد لامرأةٍ مُزَنيةٍ، ودعواها عنَّتَه، وتكذيب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشَبَهِ أولادِه له، مالا