تنكح زوجًا غيره، ولم يُبِح له أن يُطلَّقها رابعةً، وهذا عقوبة له، كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (?)، وقوله: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (?). فنها إذا حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره لم يكن قادرًا على تزوُّجِها ولو رضيتْ به، بل من الممكن أنها لا تتزوج بغيره، أو تتزوج بمن لا يُطلقها، ومن طبع الإنسان أنه يكره أن تتزوجَ امرأتُه بغيره. ولهذا حُرِّم على غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنكح أزواجه من بعده، إكرامًا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فدلَّ على أن تحريمَها حتى تنكح زوجًا غيرَه إهانة له، فإنه إذا كان منعُ غيرِه من التزوُّج بامرأته إكرامٌ، فاشتراطُ تزويج غيره في الحلّ وجَعْلُ ذلك واجبًا في عودِها إليه إهانةٌ له، والإهانةُ لا تكون إلاّ لمذنب.

فإن قيل: فالله أباحَ الطلاقَ.

قيل: لم يُبحْه مطلقًا، لكن أباحه بعددٍ محصورٍ، وأن تحرم عليه امرأته بعد الثالثَة، والأمرُ الذي لم يُبَحْ فيه إلاّ مقدارٌ معين وحرمت عليه بعد ذلك المقدار - لا يكون مباحًا مطلقًا، بل هو بمنزلة ما أُبِيح من الحرير، فإنه أُبِيحَ للنساء، وأُبيح منه عَرْضُ كف للرجال؛ وبمنزلة الهجرة والإحداد ومقام المهاجر بمكة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يَحل لرجلٍ أن يهجر أخاه فوقَ ثلاثٍ، يلتقيانِ فيصدّ هذا ويصدُّ هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام" (?). وقال: "لا يحل لامرأةٍ تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميّتٍ فوقَ ثلاثٍ" (?). وأذن للمهاجر أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015