يطلقها مرةً بعد مرةٍ، وأن يراجعها بعدَ التطليق، فأما إذا حرَّمَها عليه في أول تطليق يُطلِّقه فهذه حرمت عليه في أول مرة، وتحريم الطيبات ليس من باب النعم، بل قد جعله عذابًا بقوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (?)، وقوله: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (?).
الوجه الخامس عشر: قوله (وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ)، والوعظ هو الأمر والنهي بترغيب وترهيب، كقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ) (?) أي يؤمرون به، وقوله: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) (?) أي ينهاكم الله. فدلَّ عل أنه سبحانه أمرهم ونهاهم في الطلاق الذي ذكره، ولو كان قد أباح لهم الثلاث جميعًا لم يكن فيما ذكره من الطلاق أمر ولا نهي، فإنه بعد الثلاث لا إمساك ولا تسريح ولا وعظ، وفاعلُها إذا كان لم يُذنِب فلا يُوعَظُ قبل التطليق ولا بعده، والقرآن يدلُّ على أنه وعظهم فيما ذكره من الطلاق.
الوجه السادس عشر: قوله (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، فإن هذا عامٌّ في الطلاق الذي ذكره الله في كتابه، وجَعله مرتين، فلو كان قد أذِنَ في جمع الثلاث لم تكن الآية على عمومها، بل كان هذا في بعض التطليق المذكور دون بعض، وهو خلافُ ظاهرِ القرآن وعمومِه.
الوجه السابع عشر: أن القرآن خطاب للصحابة ابتداءً، ثم للأمة بعد الصحابة، ومعلومٌ أن الخطابَ بالطلاق الذي ذكر الله أحكامَه،