طلَّقها واحدةً ثمَّ أَتْبَعَها بطَلْقتينِ قبلَ أن تنقضيَ العدةُ فانه يكون أيضًا مبتدعًا في مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه.
والقرآن والسنة يدل على أن الله إنما أباح للرجل أن يطلق طلقةً واحدةً، فإذا راجعها ثمَّ أرادَ أن يُطلق الثانيةَ فله ذلك، وكذلك الثالثة، فإذا طلَّقها ثلاثًا كذلك لم يكن مبتدعًا. وإذا وَقَعَ به الطلاق الثلاث حَرُمَتْ عليه حتى تنكحَ زوجًا غيرَه. فإذا طلَّقها على الوجه المشروع لم يندم. وهو قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (?) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) إلى قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (?).
فهذا إنما يكون لمن طلَّق أقل من ثلاث، فيمسك بمعروف، أو يفارق بمعروف، وفي مثل هذا يقال: "لعل الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا"، وهو أن يبدو له فيراجعها. فأما إذا وقع الثلاث فأيُّ أمرٍ يَحدُث بعدَ الثلاثِ؟ وأيُّ رجاءٍ يكون بعدها؟ فلهذا قال جمهور السلف والخلف: إن جمعَ الثلاثِ بدعةٌ منهيٌّ عنها، والمطلِّق ثلاثًا بكلمةٍ واحدةٍ مبتدعٌ عاصٍ.
ولم يثبت أن أحدًا أوقعَ الطلاقَ الثلاث على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكلمة واحدةٍ، بل زوجُ فاطمةَ ابنةِ قيسٍ طلَّقها زوجُها آخرَ ثلاثِ تطليقاتٍ. والمُلاعِن كان باللعانِ قد ثبت حكمُ الفرقة بينه وبين