وإنما جاز فيها التصرف بالبيع وغيره، لأن البائع قد فعل ما يمكنه من الإقباض، وكذلك في الإجارة قد فعل المؤجر غاية ما يمكنه، وانتقلت بهذا إلى ضمان المستأجر من بعض الوجوه، وهو أنه إذا تلفت المنفعة تحت يده تلفت من ضمانه، فلا يكون إذا ربح فيها قد ربح فيما لم يضمن، فالاعتبار في الضمان بتمكنه، إذا تمكن من استيفائها فلم يستوفها كانت من ضمانه، والمستأجر بعد تسليم العين قد تمكن من استيفائها شيئا فشيئًا، كما كان يتمكن المؤجر، فلو تركها تلفت من ضمانه، فإذا باعها باعها بعد قبض مثلها. وإن كان القبض التام الذي يوجب إذا تلفت بغير اختياره أن يكون من ضمان المؤجر لم يوجد.
وهكذا الثمرة بعد بدو صلاحها إذا خُلِّي بينه وبينها كان متمكنًا من قبضها والانتفاع بها إن شاء، ولو قطعها لضمنها بالمسمى، لم يضمنها ضمان الغصب.
ثم يقال: أما كونها مضمونة على البائع فهو ثابت بالنصّ، وأما جواز التصرف فيها ففيه نزاع، وحينئذِ فإن أمكن الجمع بينهما، وإلا منع الحكم، فإن ما ثبت بالنصّ لا يجوز دفعه بغير نصِّ يعارضه، وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير وجهٍ أنه قال: "من ابتاع طعامًا فلا يَبعْه حتى يستوفيه" (?). وثبت عنه أنه قال: "إن بعتَ من أخيك ثمرةً، فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بمَ يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ " (?). فيجب العمل بالحديثين، فإن كان القبض