فمتى كان المقصود ما حرَّمه الله ورسوله، فالتوسل إليه بكلّ طريق محرَّمٌ، وإنما يُباح للإنسان أن يتوسل إلى ما أباحه الله ورسوله منَّ اَلبيع المقصود والتجارة المقصودة، فإن الله أحلّ البيع وحرَّم الربا، وقال: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) (?). فالتاجر الذي يشتري السلعة ليبيعَها، ويربحَ فيها إمّا بنقلها من موضع إلى موضع، أو حَبْسِها من وقتٍ إلى وقت، فهذا يقصد السّلعة التي يربح فيها، لا يقصد أن يبيعَها بأقلّ من ثمنها ولا بمثل ثمنها. والبيع مثل أن يكون قصْدُه السلعةَ لينتفع بها، إما بأكلٍ أو شرب أو لُبْسٍ أو ركوبٍ، أو غير ذلك من وجوه الانتفاع التي أباحها الله بالأموال.
فإذا لم يكن قصده أن ينتفع بالمال، ولا أن يبيعه ليربح فيه، وإنما مقصودُه أن يبيعه ويأخذ ثمنه، فهذا مقصودُه مقصود الربا، ومتى واطأه الآخر على ذلك كانَ مُرْبِيًا، سواء اتفقا على أن يبيعه السلعة إلى أجل، ثم يبتاعها بأقلّ مما باعها، كما قالت أم ولد زيد بن أرقم لعائشة رضي الله عنها: يا أمَّ المؤمنين! إني بعتُ من زيد بن أرقم غلامًا إلى العطاء بثمان مئة درهم، ثمّ ابتعتُه منه بستّ مئة درهم، فقالت لها عائشة: بئس ما شريتِ، وبئس ما اشتريتِ، أَخبِري زيدًا أنه قد أبطلَ جهادَه مع رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلاّ أن يتوب (?).
وسئل ابن عباس عمّن باع حريرةً ثم ابتاعها بأقلّ، فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة.