يكن له أجر الحجَّاج. ومن هذا الباب ما يُحكَى عن بعض المشايخ - معروفٍ أو غيرِه - أنه سارَ في الهواءِ إلى مكة، فطافَ بالبيتِ، ثمَّ ذهبَ ليشرَبَ من زمزم، فوقَعَ فَشُجَّ. فإنّ هذا وإن كان أهونَ من الذي حُمِلَ يومَ عرفةَ إلى عرفةَ، كما حُمِلَ جماعة كثيرة من أعصارٍ وأمصارٍ متفرقةٍ. وأقدمُ من حُكِيَ هذا عنه حبيب العجمي. فأما الصحابة فكانوا أجلَّ قَدْرًا من أن يَطمَعَ الشيطانُ في أن يُضِلَّهم ويَصْرِفَهم عن سنة الرسولِ وشريعتِه، كما صَرَفَ من كانَ قليلَ العلمِ والمعرفةِ بالسنة والشريعة من العُبّاد والزهّاد وغيرِهم.
والذين يُحْمَلون إلى عرفات أو غيرها، منهم من لا يَعرِف أن ذلك من الجنّ، ومنهم من يَعرِف ذلك، ويَظُنّ هؤلاء وهؤلاء أنّ ذلك كرامة من كرامات الأولياء، وأنّ هذا العمل مما يُحِبُّه الله ويَرضاه ويثيبُ صاحبَه عليه. ولو علموا أن ذلك ليس بواجب ولا مستحب في الشريعة، وأنّه من إضلالِ الشياطين لهم، لم يفعلوه لما عندهم من الدين والخير وحسنِ القصد، رحمة الله عليهم. والمجتهد المخطئ يُغفَر له خَطَؤُه، ويثَاب على حسن قَصْدِه وما عمله من عمل مأمورٍ به، والله أعلم. لكن مثل هذا هو مما يُعذَر فاعلُه عليه، ليس هو مما يُستَنكَر عليه، بخلاف ما فعلَه من لم يَعرِف، فإنه يظن أن هذا من أعظم القُربات. ولو عَلِمَ أنّ مثل هذا الحمل إلى الأمكنة البعيدة يَحصُل للكفار من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين أعظمُ مما يَحْصُل للمؤمنين، لَعَلِمَ أنه من عمل الشيطان، لا مما أمرَ به الرحمن.
وذلك أن الطواف بالبيت مشروع بغير إحرام، لكن نفس الدخول إلى مكة للطواف بغير إحرام لا يجوز عند جماهير العلماء، بل لو جاز لتجارةٍ لم يجز، فكيف للطواف بلا إحرام. ومن لم يُوجِبْه فإنه