وفيها قولٌ شاذ أنه يتمُّ أعمالَ الحج من الوقوف بمزدلفةَ ورمي الجمار، يُروَى عن الأوزاعي والمزني، وهو رواية ضعيفة عن أحمد.
والصواب ما عليه الجمهور، كما نُقِلَ عن الصحابة، ولأن اللهَ إنما أمر بهذه الأعمال من وقفَ بعرفةَ، فقال: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (?) الآية. وإذا كان إنما أمر بذلك من أفاض من عرفات، فمن فاته الحج لم يُفِض من عرفات، فلا يؤمَر بذلك. وهذا كما أن الطواف بين الصفا والمروة إنما يكون تابعًا للطواف بالبيت، فلا يُفعَلُ إلاّ بعدَه، فمن لم يَطُفْ بالبيت لم يَطُفْ بالصفا والمروة.
وأعظم أعمال الحج الوقوفُ والطواف، وهما ركنانِ في الحج باتفاقِ العلماء، وهذا من جنس السكون، وهذا من جنس الحركة.
فصل
فمن اجتاز بالمواقيت لقصد الحج والعمرة، فعليه الإحرام بالسنة المستفيضة واتفاقِ العلماء، كما قال ابن عباس في الحديث المتفق عليه (?)، وقال: وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأهل الشام الجحفة، وأهل نجدٍ قرنًا، وأهل اليمن يلملم، وقال: "هنّ لهنّ ولكل آتِ آتى عليهن من غيرِهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دُونَ ذلك