الثامن: أن انتقامَه واستيفاءَه وانتصارَه لنفسِه، وانتصارَه لها، فإن رسول الله عليه وسلم ما انتقمَ لنفسِه قَطُّ، فإذا كان هذا خيرَ خلق الله وأكرمَهم على الله لم يَنتقِمْ لنفسِه، مع أن أَذَاه أَذَى الله، ويتعلّقُ به حقوق الدين، ونفسه أشرف الأنفُس وأزكاها وأبرُّها، وأبعدُها من كلّ خُلُقٍ مذمومٍ، وأحقُّها بكل خُلُقٍ جميلٍ، ومع هذا فلم يكن يَنتقِم لها، فكيف يَنتقِمُ أحدنا لنفسِه التي هو أعلم بها وبما فيها من الشرور والعيوب، بل الرجل العارف لا تُساوِي نفسُه عنده أن ينتقم لها، ولا قدرَ لها عنده يُوجِبُ عليه انتصارَه لها.
التاسع: إن أُوذِيَ على ما فعلَه لله، أو على ما أُمِرَ به من طاعتِه ونُهِي عنه من معصيتِه، وجبَ عليه الصبرُ، ولم يكن له الانتقام، فإنّه قد أوذِي في الله فأجرُه على الله. ولهذا لمّا كان المجاهدون في سبيل الله ذهبتْ دماؤهم وأموالُهم في الله لم تكن مضمونةً، فإن الله اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، فالثمن على الله لا على الخلق، فمن طلبَ الثمنَ منهم لم يكن له على الله ثمنٌ، فإنه من كان في الله تَلَفُه كان على الله خَلَفُه، وإن كان قد أُوذِي على مصيبة فليَرجعْ باللومِ على نفسِه، ويكون في لَومِه لها شُغْلٌ عن لَومِه لمن آذاه، وإن كان قد أُوذِي على حظّ (?) فليُوطِّن نفسَه على الصبر، فإنّ نيلَ الحُظوظِ دونَه أمرٌ أَمَرُّ من الصَّبر، فمن لم يصبر على حرِّ الهَوَاجر والأمطارِ والثلوج ومشقةِ الأسفارِ ولصوصِ الطريقِ، وإلاّ فلا حاجةَ له في المتاجر.
وهذا أمر معلوم عند الناس أنّ مَن صدَقَ في طلب شيء من الأشياء بُدِّل من الصبر في تحصيله بقدر صدقِه في طلبِه.