يُحسِن إليهم الإحسان الذي يضطرون إليه، مع أن أحدًا من الخلق لا يُحسِن إليه، فإن دلالة القراءة المشهورة على نفي إحسان الخلق إليه مع إحسانه إليهم أبينُ من دلالة كونه لا يأكل، فإن تلك تدلُّ على المدح مطلقًا مع قطع النظر عن كونه هو يأكل أو لا يأكل، حتى لو قُدِّر على سبيل الفرض أنه يأكل لم يكن محتاجًا إليهم، ولا كانوا هم الذين يُطعِمونه، كما قال: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليبجون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58)) (?).
وقد نبهنا على هذا وأنه إذا كان مخلوق يُحسِنُ إلى غيره ويُطعِمه، وهو لا يَحتاج إليه في أمرٍ لا إطعامٍ ولا غيرِه، كان محسنًا إليه إحسانًا محضًا، وإن كان محتاجًا إلى غير هذا الشخص، فكيف بمن هو سبحانه لا يَحتاج إلى أحدٍ بوجهٍ من الوجوه؟ ثم إنه من كمالِ إحسانه إلى عبادِه بين أنّ من لم يُطعِم أولياءَه ولم يعدهم، فهو كمن لم يُطعِمه ولم يَعُده، كما في الحديث الصحيح (?): "يقول الله تعالى: عبدي! مرضتُ فلم تَعُدني، فيقول: ربِّ! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مَرِضَ، فلو عُدتَه لوجدتَني عنده. عَبْدي! جُعْتُ فلم تُطعِمني، فيقول: رب! كيف أُطْعِمك وأنتَ رب العالمين؟ فيقول: أما علمتَ أن عبدي فلانًا جاعَ، فلو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي". فقال: "لوجدتَ ذلك عندي"، ولم يقل: "لوجدتني قد أكلتُه". وقال: "لوجدتني عنده"، ولم يقل: "لوجدتَني إياه".