والقول الثاني: قول من يُجَوِّز أن تكون هذه قرانًا وإن لم يُنقَل بالتواتر. وكذلك يقول هؤلاء في كثير من الحروف التي يُقرَأُ بها في السبعة والعشرة، لا يُشتَرط فيها التواتر. وقد يقولون: إنّ التواتر منتفٍ فيها أو ممتنع فيها. ويقولون: المتواتر الذي لا ريب فيها ما تضمنه مصحف عثمان من الحروف، وأما كيفيات الأداء مثل تليين الهمزة، ومثل الإمالة والإدغام، فهذه مما يسوغُ للصحابة أن يقرأوا فيها بلغاتهم، لا يجب أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفَّظ بهذه الوجوه المتنوعة كلها، بل القطع بانتفاء هذا أولى من القطع بثبوته. وما كان تلفظه به على وجهين كلاهما صحيح المعنى، مثل قوله: (وما الله بغافل عما تعملون (85)) (?) ويعملون (?)، وقوله: (إلا أَن يَخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُوَد الله) (?) إلاّ أن يُخافَا أن لا يقيما حدود الله (?)، فهذه يُكتفَى فيها بالنقل الثابت وإن لم يكن متواترًا، كما يُكتفَى بمثل ذلك في إثبات الأحكام والحلال والحرام، وهو أهمُّ من ضبط الياء والتاء، فإن الله سبحانه وتعالى ليس بغافلٍ عما يعمل المخاطَبون بالقرآن، ولا عمّا يعمل غيرهم، وكلا المعنيين حقّ قد دلَّ عليه القرآن في مواضع، فلا يضرّ أن لا يتواتر دلالةُ هذا اللفظ عليه. بخلاف الحلال والحرام الذي لا يُعلَم إلاّ بالخبر الذي ليس بمتواتر.

والعادة والشرع أوجب أن يُنقَل القرآن نقلاً متواترًا، كما نُقِلتْ جُمَلُ الشريعة نقلاً متواترًا، مثل إيجاب الصلوات الخمس، وأن صلاة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015