ثمَّ من العلماء مَن جَمعَ بين قولِ عائشةَ وقولِ ابن عباس، وقال: إنّ عائشة أنكرتْ رؤيةَ العين، وابن عباس ذكر رؤيةَ الفؤاد، ولا منافاةَ بينهما. ومنهم من جعلهما قولين مختلفين. وأكثر أهل السنة يُرَجِّحون قولَ ابن عباس، لما فيه من الإثبات، ولِمَا رُوِي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّه قال: "رأيتُ ربّي" (?). وليس في شيء من الحديث الثابت أنه قال: رأيتُ ربّي بعيني، بل قد روى بعضهم هذه الأحاديث التي فيها رؤية العين، كأبي بكر الخلاّل، ونَصَرَ هذا القولَ طائفةٌ، منم القاضي أبو يعلى.
وذكر عن أحمد في الرؤية ثلاث روايات (?): رواية أنه رآه بعين رأسِه، ورواية بعين قلبه، ورواية أنه يقول: رآه، ولا يقول: بعين رأسه، ولا بعين قلبه. ونصَرَ هذا طائفةٌ من أهل الكلام من أتباع ابن كُلاَّب، لكن رؤية العين عند هؤلاء إنما هي زوالُ مانع في العَين، [و] ليست الرؤية المعروفة عند سلفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها، وهؤلاءِ إنما وافقوا ابنَ كُلاَّب في مسألة الكلام فقط، وأما مسألة الرؤية المناسبة فخالفوه فيها، وخالفوه أيضًا فيما يُثبتُه من الصفاتِ الخبرية: الرؤية والعلوّ وغيرهما، وإن كانوا ينتسبون إَلى مذهبه لموافقتِهم له في أكثر أقوالِه، وأكثرُ هؤلاء يجعلون تكليمَ الله لموسَى إفهامَه الكلامَ القائمَ بالذات، ويجعلونَ رؤيتَه إنما هي خلق الإرادة في العين فقط. فسلكَ طريقَ هؤلاء الجهمية الاتحادية وغيرهم، وصار منهم من يَزعُم أنّ الله يكلِّمه كما كلَّم موسى بنَ عمران، ومن يزعم أنه يَرى الله في الدنيا بعينه من الحلولية والاتحادية، حتى يقولون: إنهم يَرون الله في كل