وقال بعضُهم: خَفِ الله على قدر قُدرته عليك، واستحي من الله على قدر قُربه منك.
قالت بعضُ العارفات من السَّلف: مَنْ عملَ للهِ على المُشاهدة، فهو عارفٌ، ومن عمل على مشاهدة الله إيَّاهُ، فهو مخلص. فأشارت إلى المقامين اللَّذين تقدَّم ذكرُهما:
أحدهما: مقام الإخلاص، وهو أنْ يعملَ العبدُ على استحضارِ (?) مُشاهدةِ الله إياه، واطِّلاعه عليه، وقُربه منه، فإذا استحضرَ العبدُ هذا في عمله، وعَمِلَ عليه، فهو مخلصٌ لله؛ لأنَّ استحضارَهُ ذلك في عمله يمنعُهُ من الالتفاتِ إلى غيرِ الله وإرادته بالعمل.
والثاني: مقام المشاهدة، وهو أنْ يعملَ العبدُ على مقتضى مشاهدته لله تعالى
بقلبه، وهو أنْ يتنوَّرَ القلبُ بالإيمانِ، وتنفُذ البصيرةُ في العِرفان، حتّى يصيرَ الغيبُ كالعيانِ.
وهذا هو حقيقةُ مقامِ الإحسّان المشار إليه في حديث جبريلَ - عليه السلام -، ويتفاوت أهلُ هذا المقام فيه بحسب قوَّة نفوذ البصائرِ.
وقد فسَّر طائفةٌ من العُلماءِ المثل الأعلى المذكورَ في قوله - عز وجل -: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} (?) بهذا المعنى، ومثلُهُ قولُه تعالى:
{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (?) ، والمراد: مثل نورِه في قلبِ المؤمن، كذا قال أبيُّ بنُ كعبٍ (?) وغيرُه مِنَ السَّلَف.
وقد سبق حديث: ((أفضلُ الإيمانِ أنْ تعلمَ أنَّ الله معك حيثُ كنت)) ، وحديث: ما تزكيةُ المرءِ نفسه؟ ، قال: ((أنْ يعلمَ أنَّ الله معه حيثُ
كانَ)) .