يدلُّ على أنَّ الصِّيام لا يَعلمُ قدر مضاعفة ثوابه إلا الله - عز وجل - لأنّه أفضلُ أنواع الصَّبر، و {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (?) ، وقد رُويَ هذا المعنى عن طائفةٍ مِنَ السَّلف، منهم كعبٌ (?)
وغيره، وقد ذكرنا فيما سبق في شرح حديث: ((من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه)) (?) أنَّ مضاعفة الحسنات زيادةً على العشرِ تكونُ بحسبِ حُسنِ الإسلام، كما جاء ذلك مصرَّحاً به في حديث أبي هريرة وغيره، وتكون بحسب كمال الإخلاص، وبحسب فضلِ ذلك العمل في نفسه، وبحسب الحاجة إليه. وذكرنا من حديث ابن عمر (?) أنّ قوله: {مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (?) نزلت في الأعراب، وأن قوله: {وَإِنْ تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} (?) نزلت في المهاجرين.
النوع الثاني: عمل السيِّئات، فتكتب السيِّئةُ بمثلها مِنْ غير مضاعفةٍ، كما قال تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (?) .
وقوله: ((كتبت له سيِّئة واحدة)) إشارةٌ إلى أنّها غيرُ مضاعفة، ما صرَّح به في حديث آخر، لكن السَّيِّئة تعظُمُ أحياناً بشرف الزَّمان، أو المكان، كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنْفُسَكُمْ} (?) . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: {فَلا تَظلِموا فِيهِنَّ أنفُسَكُم} (?) : في كلِّهنَّ، ثم اختصَّ من ذلك أربعةَ أشهُر، فجعلهنَّ حرماً، وعظم حُرماتهنَّ، وجعل الذَّنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعمل الصالح والأجر أعظم (?) .