عليه وسلم -، قال: ((لا يَحقِرْ أحدُكم نفسَه)) ، قالوا: يا رسولَ الله، كيف يحقرُ أحدُنا نفسه؟ قالَ: ((يرى أمرَ لله عليه فيه مقالٌ، ثمَّ لا يقول فيه، فيقولُ الله له يوم القيامة: ما منعك أنْ تقولَ فيَّ كذا وكذا؟ فيقول: خشيةُ النَّاسِ، فيقول الله: إيَّايَ كنتَ أحقَّ أنْ تخشى)) .
فهذان الحديثان محمولان على أنْ يكون المانعُ له من الإنكار مجرَّدَ الهيبة، دُونَ الخوفِ المسقط للإنكار.
قال سعيدُ بنُ جبير: قلتُ لابن عباس: آمرُ السُّلطانَ بالمعروفِ وأنهاه عن المنكر؟ قال: إنْ خِفتَ أن يقتُلَك، فلا، ثم عُدْتُ، فقال لي مثلَ ذلك، ثم عدتُ، فقال لي مثلَ ذلك، وقال: إنْ كنتَ لابدَّ فاعلاً، ففيما بينَك وبينه (?) .
وقال طاووس: أتى رجلٌ ابنَ عبَّاسٍ، فقال: ألا أقومُ إلى هذا السُّلطان فآمره وأنهاهُ؟ قالَ: لا تكن لهُ فتنةً، قالَ: أفرأيت إنْ أمرني بمعصيةِ اللهِ؟ قال: ذلك الَّذي تريد، فكنْ حينئذٍ رجلاً (?) . وقد ذكرنا حديثَ ابن مسعود الذي فيه:
((يخلف من بعدهم خُلوفٌ، فمن جاهدَهم بيدِه، فهو مؤمنٌ)) (?) ... الحديث، وهذا يدلُّ على جهاد الأمراءِ باليد. وقد استنكر الإمامُ أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود (?) ، وقال: هو خلافُ الأحاديث التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بالصَّبر على جَوْرِ الأئمة. وقد يجاب عن ذلك: بأنَّ التَّغييرَ باليدِ لا يستلزمُ القتالَ. وقد نصَّ على ذلك أحمدُ أيضاً في رواية صالحٍ، فقال: التَّغييرُ باليد ليسَ بالسَّيف والسِّلاح، وحينئذٍ فجهادُ الأمراءِ باليد أنْ يُزيلَ بيده ما فعلوه مِنَ المنكرات، مثل أنْ يُريق خمورَهم أو يكسِرَ آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به مِنَ الظُّلم إن كان له قُدرةٌ على ذلك،