حملَها على الدَّعوى على الغائب والصَّبيِّ، وهذا لا يصحُّ؛ لأنَّ عليّاً إنَّما حلَّف المدَّعي مع بيِّنته على الحاضر معه، وهؤلاء يقولون: هذه اليمينُ لتقوية الدَّعوى إذا ضَعُفَتْ باسترابة الشُّهود كاليمين مع الشَّاهد الواحد (?) . وكان بعضُ المتقدمين يُحلِّفُ الشُّهود إذا استرابهم (?) أيضاً، ومنهم سوَّارٌ العنبريُّ قاضي البصرة، وجوَّز ذلك القاضي أبو يعلى من أصحابنا لوالي المظالم دونَ القضاة. وقد قال ابنُ عباس في المرأة الشَّاهدة على الرَّضاع: إنَّها تُستحلَفُ، وأخذ به الإمام أحمد.
وقد دلَّ القرآن على استحلاف الشهودِ عند الارتياب بشهادتهم في الوصيَّة
في السفر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلى قوله:
{فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ} (?) ، وهذه الآية لم يُنسخ العملُ بها عندَ جمهور السَّلف، وقد عملَ بها أبو موسى، وابن مسعود، وأفتى بها عليٌّ، وابن عباس، وهو مذهبُ شريح والنَّخعيّ وابن أبي ليلى، وسفيان والأوزاعي وأحمد وأبي عبيد وغيرهم، قالوا: تُقبل شهادة الكفَّار في وصيَّة المسلمين في السَّفر، ويُستحلَفان مع شهادتهما. وهل يمينهما من باب تكميل الشهادة، فلا يُحكم بشهادتهما بدون يمين، أم من باب الاستظهار عند الريبة؟ وهذا محتمل، وأصحابنا جعلوها شرطاً، وهو ظاهرُ ما روي عن أبي موسى وغيره.
وقد ذهب طائفة من السَّلف إلى أنَّ اليمين مع الشاهد الواحد هو من باب الاستظهار، فإن رأى الحاكمُ الاكتفاءَ بالشَّاهد الواحدِ، لبُروزِ عدالته، وظُهور صِدْقِه،