فإنَّ جانبَ المدعي في القسامة لمَّا قوي باللوث جُعِلَتْ اليمينُ في جانبه، وحُكِمَ له بها، وكذلك المدَّعي إذا أقام شاهداً، فإنه قوي جانبه، فحلف معه، وقُضي له.
وهؤلاء لهم في الجواب عن قوله: ((البينة على المدعي)) طريقان:
أحدهما: أنَّ هذا خُصَّ من هذا العموم بدليل.
والثاني: أنَّ قوله: ((البينة على المدعي)) ليس بعامٍّ؛ لأنَّ المرادَ: على المدعي المعهود، وهو من لا حُجَّةَ له سوى الدَّعوى كما في قوله: ((لو يُعطى الناسُ بدعواهم، لادَّعى رجالٌ دماءَ قومٍ وأموالهم)) ، فأمَّا المدَّعي الذي معه حجةٌ تقوِّي دعواه، فليس داخلاً في هذا الحديث.
وطريق ثالث وهو أنَّ البينة: كُلُّ ما بيَّن صحَّة دعوى المدَّعي، وشهِدَ بصدقِه، فاللوثُ مع القسامة بيِّنةٌ، والشَّاهد مع اليمين بيِّنةٌ.
وطريق رابع سلكه بعضُهم، وهو الطَّعنُ في صحَّةِ هذه اللفظة، أعني قولَه:
((البينة على المدَّعي)) ، وقالوا: إنَّما الثَّابتُ هو قوله: ((اليمينُ على المدَّعى عليه)) . وقوله: ((لو يُعطى الناسُ بدعواهم، لادَّعى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهم)) ، يدلُ على أنَّ مدَّعي الدَّمِ والمالِ لابدَّ له مِنْ بيِّنةٍ تدلُّ على ما ادَّعاه، ويدخل في عموم ذلك أنّ مَنِ ادَّعى على رجلٍ أنَّه قتل موروثَه، وليس معه إلاّ قولُ المقتولِ عند موته: جرحني فلان، أنَّه لا يُكتفى بذلك، ولا يكونُ بمجرَّده لوثاً، وهذا قولُ الجمهور، خلافاً للمالكيَّة، وأنَّهم جعلوه لوثاً يقسم معه الأولياءُ، ويستحقُّون الدَّم.
ويدخل في عمومه أيضاً من قذف زوجته ولاعَنَها، فإنَّه لا يُباحُ دمُها بمجرَّدِ
لعانها، وهو قولُ الأكثرين خلافاً للشافعي، واختار قولَه الجوزجانيُّ، لظاهر قوله - عز وجل -: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ} (?) ،