وبكلِّ حال، فالذي يحصُلُ لأهلِ الجنَّةِ مِنْ تفاصيل العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن قُربه ومشاهدته ولذَّةِ ذكره، هو أمرٌ لا يمكنُ التَّعبيرُ عن كُنهه في الدُّنيا؛ لأنَّ أهلها لم يُدرِكوه على وجهه، بل هو ممَّا لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، والله تعالى المسؤول أنْ لا يَحْرِمنا خيرَ ما عنده بشرِّ ما عندنا بمنِّه وكرمه ورحمته آمين.
ولنرجع إلى شرح حديث: ((ازهد في الدُّنيا يحبَّك الله)) (?) ، فهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ الله يحبُّ الزاهدين في الدُّنيا، قال بعض السَّلف: قال الحواريون لعيسى - عليه السلام -: يا روحَ الله، علِّمنا عملاً واحداً يُحبُّنا الله - عز وجل - عليهِ، قالَ: أبغِضُوا الدُّنيا يحبكُم الله - عز وجل -.
وقد ذمَّ الله تعالى من يحبُّ الدُّنيا ويؤثِرُها على الآخرة، كما قال: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} (?) ، وقال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} (?) ، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (?) ، والمراد حبُّ المال، فإذا ذمَّ من أحبَّ الدُّنيا دلَّ على مدحِ مَنْ لا يحبُّها، بل يرفُضها ويترُكُها.
وفي " المسند " (?) و" صحيح ابن حبان " (?) عن أبي موسى، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من أحبَّ دُنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحبَّ آخرتَه، أضرَّ بدُنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى)) .