هو الذي يفضّه يومَ القيامة، ولا ليلة إلا تقول كذلك (?) ، وقد أنشد بعضُ السَّلف:
إنَّما الدُّنيا إلى الجنَّـ ... ـةِ والنَّار طريق
واللَّيالي متجر الإنـ ... ـسان والأيَّام سُوق
وليس الذمُّ راجعاً إلى مكان الدُّنيا الذي هو الأرض التي جعلها الله لبني آدم مِهاداً وسكناً، ولا إلى ما أودعه الله فيها من الجبال والبحار والأنهار والمعادن، ولا إلى ما أنبته فيها من الشَّجر والزرع، ولا إلى ما بثَّ فيها من الحيوانات وغير ذلك، فإنَّ ذلك كُلَّه مِنْ نعمة الله على عباده بما لهم فيه من المنافع، ولهم به من الاعتبار والاستدلال على وحدانيَّة صانعه وقُدرته وعَظَمَتهِ، وإنَّما الذَّمُّ راجعٌ إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدُّنيا؛ لأنَّ غالبها واقعٌ على غير الوجه الذي تُحمَدُ عاقبتُه، بل يقعُ على ما تضرُّ عاقبتُه، أو لا تنفع، كما قال - عز وجل -: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} (?) .
وانقسم بنو آدم في الدُّنيا إلى قسمين:
أحدهما: من أنكر أنْ يكون للعباد بعد الدُّنيا دارٌ للثَّواب والعقاب، وهؤلاء هم الَّذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنيا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} (?) ، وهؤلاء همُّهمُ التمتُّع بالدُّنيا، واغتنامُ لَذَّاتها قبل الموت، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً
لَهُمْ} (?) . ومن هؤلاء من كان يأمرُ بالزُّهد في الدُّنيا؛ لأنَّه يرى أنَّ الاستكثار منها يُوجِبُ