يقول: البدعة بدعتان: بدعةٌ محمودةٌ، وبدعة مذمومةٌ، فما وافق السنة فهو محمودٌ، وما خالف السنة فهو مذمومٌ. واحتجَّ بقول عمر: نعمت البدعة هي.
ومراد الشافعي - رحمه الله - ما ذكرناه مِنْ قبلُ: أنَّ البدعة المذمومة ما ليس لها أصل منَ الشريعة يُرجع إليه، وهي البدعةُ في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة، يعني: ما كان لها أصلٌ مِنَ السنة يُرجع إليه، وإنَّما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً؛ لموافقتها السنة.
وقد روي عَنِ الشَّافعي كلام آخر يفسِّرُ هذا، وأنَّه قال: والمحدثات ضربان: ما أُحدِثَ مما يُخالف كتاباً، أو سنةً، أو أثراً، أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلال، وما أُحدِث مِنَ الخير، لا خِلافَ فيه لواحدٍ مِنْ هذا، وهذه محدثة غيرُ مذمومة (?) .
وكثير من الأمور التي حدثت، ولم يكن قد اختلفَ العلماءُ في أنَّها هل هي بدعةٌ حسنةٌ حتّى ترجع إلى السُّنة أم لا؟ فمنها: كتابةُ الحديث، نهى عنه عمرُ وطائفةٌ مِنَ الصَّحابة، ورخَّص فيها الأكثرون، واستدلوا له بأحاديث من السُّنَّة.
ومنها: كتابة تفسير الحديث والقرآن، كرهه قومٌ من العُلماء، ورخَّصَ فيه كثيرٌ منهم.
وكذلك اختلافُهم في كتابة الرَّأي في الحلال والحرام ونحوه، وفي توسِعَةِ الكلام في المعاملات وأعمالِ القلوب التي لم تُنقل عَنِ الصحابة والتابعين. وكان الإمام أحمد يكره أكثر ذلك (?) .
وفي هذه الأزمان التي بَعُدَ العهد فيها بعُلوم السلف يتعيَّن ضبطُ ما نُقِلَ عنهم مِنْ ذلك كلِّه، ليتميَّزَ به ما كان من العلم موجوداً في زمانهم، وما حدث من ذلك بعدَهم،