الكَلِم وخواتمَه وجوامعه، وعلمت كم خزنةُ النَّار، وحملةُ العرش، وتَجَوَّزَ لي ربِّي وعُوفيتُ وعُفِيَتْ أُمَّتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمتُ فيكم، فإذا ذُهِبَ بي، فعليكم بكتاب الله، أحلوا حلاله، وحرِّموا
حرامه)) .
فلعلَّ الخطبة التي أشار إليها العرباضُ بنُ سارية في حديثه كانت بعضَ هذه
الخطب، أو شبيهاً بها ممَّا يُشعر بالتوديع.
وقولهم: ((فأوصنا)) ، يعنون وصيةً جامعةً كافية، فإنَّهم لمَّا فهموا (?) أنَّه
مودِّعٌ، استوصوهُ وصيَّةً ينفعهم التمسُّك بها بعدَه، ويكون فيها كفايةٌ لمن تمسَّك
بها، وسعادةٌ له في الدنيا والآخرة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوصيكم بتقوى الله، والسَّمع والطَّاعة)) ، فهاتان الكلمتان تجمعان سعادةَ الدُّنيا والآخرة.
أمَّا التَّقوى، فهي كافلةٌ بسعادة الآخرة لمن تمسَّك بها، وهي وصيةُ الله للأوَّلين والآخرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} (?) ، وقد سبق شرح التقوى بما فيه كفاية في شرح حديث وصية النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ (?) .
وأمّا السَّمع والطاعة لوُلاة أُمور المسلمين، ففيها سعادةُ الدُّنيا (?) ، وبها تنتظِمُ مصالحُ العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعةِ ربِّهم، كما قال عليٌّ - رضي الله عنه -: إنَّ الناسَ لا يُصلحهم إلاَّ إمامٌ بَرٌّ أو فاجر، إنْ كان