وقوله في حديث النوَّاس: ((الإثم ما حاك في الصدر، وكرِهتَ أنْ يطَّلع عليه الناس)) (?) إشارةٌ إلى أنَّ الإثم ما أثَّر في الصدر حرجاً، وضيقاً، وقلقاً، واضطراباً، فلم ينشرح له الصَّدرُ (?) ، ومع هذا، فهو عندَ النَّاسِ مستنكرٌ، بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عندَ الاشتباه، وهو ما استنكره النَّاس على فاعلِه وغير فاعله.
ومن هذا المعنى قولُ ابن مسعود: ما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله
حسن، وما رآه المومنون قبيحاً، فهو عند الله قبيح (?) .
وقوله في حديث وابصة وأبي ثعلبة: ((وإنْ أفتاك المفتون)) يعني: أنَّ ما
حاك في صدر الإنسان، فهو إثمٌ، وإنْ أفتاه غيرُه بأنَّه ليس بإثمٍ، فهذه مرتبةٌ
ثانيةٌ، وهو أنْ يكونَ الشيءُ مستنكراً عندَ فاعله دونَ غيره، وقد جعله أيضاً إثماً، وهذا إنَّما يكون إذا كان صاحبُه ممَّن شرح صدره بالإيمان، وكان المفتي يُفتي
له بمجرَّد ظن أو ميلٍ إلى هوى من غير دليلٍ شرعيٍّ، فأمَّا ما كان مع المفتي به
دليلٌ شرعيٌّ، فالواجب على المستفتي الرُّجوعُ إليه، وإنْ لم ينشرح له
صدرُه، وهذا كالرخص الشرعية، مثل الفطر في السفر، والمرض، وقصر
الصَّلاة في السَّفر، ونحو ذلك ممَّا لا ينشرحُ به صدور كثيرٍ مِنَ الجُهَّال، فهذا لا عبرةَ به.