وقد يدخل هذا في قوله في حديث عياض بن حِمار: ((إني خلقتُ عبادي حنفاءَ مسلمين، فأتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، فحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتهُم أنْ يُشرِكوا بي ما لم أنزِّل به سلطاناً)) (?) .
وقوله: ((كلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرةِ، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجِّسانه، كما تُنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحِسُّونَ فيها من جدعاء؟)) قال أبو هريرة: اقرؤوا إنْ شئتم: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} (?) .
ولهذا سمَّى الله ما أمرَ به معروفاً، وما نهى عنه منكراً، فقال: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (?) ، وقال في صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (?) ، وأخبر أنَّ قلوب المؤمنين تطمئنُّ بذكره، فالقلبُ الذي دخله نورُ الإيمان، وانشرح به وانفسح، يسكن للحقِّ، ويطمئن به ويقبله، وينفر عن الباطل ويكرهه ولا يقبله (?) .
قال معاذ بن جبل: أحذركم زيغةَ الحكيم، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، فقيل لمعاذ: ما يُدريني أنَّ الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة، وأنَّ المنافق يقول كلمةَ الحقِّ؟ قال: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنَّه لعلَّه أنْ يُراجع، وتَلَقَّ الحقَّ إذا سمعته، فإنَّه على الحقِّ نوراً، خرَّجه أبو داود (?) . وفي روايةٍ له قال: بل ما تشابه عليك من قول الحكيمِ حتَّى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟ (?)
فهذا يدل على أنَّ الحقَّ والباطل لا يلتبِسُ أمرُهما على المؤمن البصير،
بل يعرف