وقد يُحمل على أنَّه لو أراد تعذيبهم، لقدَّرَ لهم ما يعذِّبهم عليه، فيكون غيرَ ظالم لهم حينئذٍ.
وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلمُ لا يقتضي وصفَه بالظُّلم - سبحانه وتعالى -، كما أنَّه لا يُوصَفُ بسائر القبائح التي يفعلُها العبادُ، وهي خَلْقُه وتقديرُه (?) ، فإنَّه لا يُوصَفُ إلاَّ بأفعاله لا يُوصف بأفعال عباده، فإنَّ أفعالَ عباده مخلوقاتُه ومفعولاتُه، وهو لا يُوصَفُ بشيءٍ منها، إنَّما يوصَفُ بما قام به من صفاته وأفعاله! والله أعلم.
وقوله: ((وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظالموا)) يعني: أنَّه تعالى حَرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أنْ يتظالموا فيما بينهم، فحرامٌ على كلِّ عبدٍ أنْ يظلِمَ غيره، مع أنَّ الظُّلم في نفسه محرَّم مطلقاً، وهو نوعان:
أحدهما: ظلمُ النفسِ، وأعظمه الشِّرْكُ، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (?) ، فإنَّ المشركَ جعل المخلوقَ في منزلةِ الخالق، فعبده وتألَّهه، فوضع الأشياءَ في غيرِ موضعها، وأكثر ما ذُكِرَ في القرآن مِنْ وعيد الظالمين إنَّما أُريد به المشركون، كما قال الله - عز وجل -: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (?) ، ثمَّ يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائرَ وصغائرَ.
والثاني: ظلمُ العبدِ لغيره، وهو المذكورُ في هذا الحديث، وقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: ((إنَّ دماءكم وأموالَكُم وأعراضَكُم عليكُم حرامٌ، كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) (?) .